يكتب محمد بزي أن جاريد كوشنر استعاد حضوره في المشهد السياسي الأمريكي بعدما ظل بعيدًا عن الأضواء خلال الشهور الأولى من ولاية دونالد ترامب الثانية. في الولاية الأولى، شغل كوشنر موقعًا محوريًا داخل البيت الأبيض، إذ شارك في ملفات تتراوح بين إصلاح العدالة الجنائية وتطوير لقاحات كوفيد-19 وإصلاح التكنولوجيا الحكومية، فضلًا عن دوره في السياسة الخارجية حين ساهم في التوصل إلى اتفاقات تجارية وإبرام صفقات تطبيع عربية إسرائيلية.

 

لكنّ عودته الأخيرة لم تكن في إطار رسمي، بل كشخصية خاصة تشارك في إعداد خطة السلام الجديدة لقطاع غزة، وهي الخطة التي أفضت إلى وقف إطلاق النار وتبادل للأسرى وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية. وقد منح ترامب وكبار مساعديه كوشنر الفضل الأكبر في التوصل إلى هذا الاتفاق، واحتُفي به باعتباره "صانع الصفقات المثالي" الذي نجح حيث فشل الدبلوماسيون المحترفون.

 

ينقل تقرير الجارديان أنّ الدور الذي يلعبه كوشنر يثير مجددًا أسئلة حول تضارب المصالح بين أعماله التجارية وتحركاته الدبلوماسية. فشركة الاستثمارات التي يملكها، Affinity Partners، تعتمد في تمويلها على صناديق سيادية تابعة للسعودية وقطر والإمارات، وهي الدول نفسها المشاركة في اتفاق غزة والمحتمل أن تتولى إعادة إعمار القطاع. هذه الدول منحت كوشنر مليارات الدولارات منذ مغادرته البيت الأبيض عام 2021، ما أتاح له تأسيس شركته وتوسيعها بسرعة لافتة.

 

بعد ستة أشهر فقط من نهاية الولاية الأولى، حصل كوشنر على استثمار بقيمة ملياري دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي رغم اعتراض لجنة المراجعة التابعة للصندوق، التي وصفت أداء شركته بأنه "غير مرضٍ من جميع النواحي". لكن ولي العهد محمد بن سلمان تجاهل تلك التحفظات، معتبرًا أن الاستثمار وسيلة لبناء علاقة استراتيجية مع كوشنر. هذا الدعم المالي عُدّ مكافأة على موقف كوشنر الداعم للمملكة أثناء أزمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، حين سعى ترامب وكوشنر إلى حماية ولي العهد من الاتهامات رغم تقارير الاستخبارات الأمريكية التي أكدت تورطه.

 

تشير تقارير الكونجرس إلى أنّ ضخّ هذا التمويل لم يكن استثمارًا تجاريًا طبيعيًا بقدر ما كان رهانًا سياسيًا على عودة ترامب إلى السلطة. فقد كشف تحقيق لمجلس الشيوخ في سبتمبر 2024 أن شركة كوشنر تلقت 157 مليون دولار من رسوم الإدارة دون تحقيق أي أرباح للمستثمرين، منها 87 مليونًا من الصندوق السعودي. وحذّر السيناتور الديمقراطي رون وايدن من أنّ هذه الأموال ربما تُستخدم كقناة لشراء النفوذ داخل الإدارة الأمريكية المحتملة.

 

لاحقًا أعلن كوشنر عن حصول شركته على 1.5 مليار دولار إضافية من صناديق قطرية وإماراتية، ليرتفع إجمالي أصولها إلى نحو 4.8 مليارات دولار، تمويل 99% منها من مصادر أجنبية. وأصبح كوشنر مليارديرًا وفق تقديرات مجلة فوربس. غير أن التحقيقات توقفت بعدما فقد الديمقراطيون الأغلبية في الكونجرس مطلع عام 2025، ما جعل كوشنر محصنًا سياسيًا إلى حد كبير.

 

العلاقات المالية لعائلة ترامب لا تتوقف عند كوشنر؛ فالشركات العائلية وقّعت مشاريع عقارية وفندقية مع السعودية والإمارات وقطر تقدر بمليارات الدولارات، تحقق أرباحًا عبر رسوم العلامة التجارية والإدارة دون أن تضخ رأسمالًا مباشرًا. ورغم ذلك، تنفي إدارة ترامب وجود تضارب في المصالح، إذ وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض الاتهامات بأنها “مشينة”، مؤكدة أن كوشنر “يكرّس وقته لخدمة السلام العالمي”.

 

غير أنّ تزامن دوره السياسي مع صفقات تجارية ضخمة يثير شكوكًا إضافية، أبرزها صفقة بقيمة 55 مليار دولار للاستحواذ على شركة الألعاب الأمريكيةإلكترونيك آرتس بين شركته والصندوق السعودي، وهي صفقة قد تستدعي موافقة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة. لكن مراقبين يشككون في إمكانية اعتراض اللجنة ما دام كوشنر نفسه أحد المستفيدين المباشرين.

 

ورغم أنه لا يشغل منصبًا رسميًا حاليًا، يواصل كوشنر لعب دور الوسيط في ملفات الشرق الأوسط، خصوصًا في إعادة إعمار غزة ومحاولة إحياء التطبيع بين إسرائيل والسعودية، في ظل غياب أي رقابة حقيقية من الكونجرس. وهكذا، بينما تتجه إدارة ترامب نحو ترسيخ نفوذها في المنطقة، يبدو أنّ كوشنر وعائلة الرئيس يواصلون تحقيق مكاسب مالية وسياسية هائلة، مستفيدين من اندماج غير مسبوق بين المال والسلطة في قلب واشنطن.

 

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/oct/29/jared-kushner-financial-ties-trump